ساحرة بجبالها الشامخة.. مياهها الرقراقة.. منازلها الزرقاء.. دافئة بأهلها.. بقمرها الحاضر كل ليلة.. بطابعها التاريخي العريق.. بأسوارها الأندلسية العتيقة.. هو الحنين يشدني دائما إلى مصافحة مدينة ساحرة.. ما تزال ذكراها غائرة في أعماق ذاكرتي العاشقة.. هو الشوق يدفعني إلى معانقة امرأة جميلة تدعى "القصيدة"..
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء، عندما أعلن الشاعر عبد الحق بن رحمون (إدارة المهرجان) عن انطلاق فعاليات الدورة السابعة والعشرون من "المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث" بشفشاون، مرحبا بالشعراء والنقاد والصحافيين الذين تكبدوا عناء السفر من أجل الاحتفاء بالقصيدة وبالشاعر المغربي محمد الميموني (أحد مؤسسي المهرجان)، مؤكدا على حرص جمعية "أصدقاء المعتمد" على الموعد السنوي للمهرجان الشعري أولا لتكريسه بوصفه علامة دالة على الهُوية، والانتماء إلى ثقافة مغربية مخصوصة، كبديل عن الثقافة السائدة، ثم لترسيخ قيم التعبير الشعري في الحاضر وفي سياق التداول الفني، بما يعنيه هذا الترسيخ من تحصين لمدونة القول والخيال والذوق، والطموح إلى جعل القصيدة المغربية، بشتى لغاتها وأصنافها، مقاما من مقامات الاحتفاء. وقد تخلل حفل الافتتاح معزوفات موسيقية على آلة الأورك بمشاركة الفنانة الجميلة سعاد أنقار التي قدمت إلى شفشاون من الحمامة البيضاء لتؤثث معزوفاتها الموسيقية الهادئة كل فقرات المهرجان.
وقد اختار المهرجان خلال هذه الدورة محورا يعكس إلى حد بعيد قناعة بدأت تترسخ تدريجيا، وهي أن الشعر المغربي يمتلك من المقومات الجمالية والتخييلية التي تحتاج إلى البحث والدراسة المستفيضة في كثير من التجارب الشعرية، وفي هذا السياق احتضن فندق برادور صبيحة يوم الأحد ندوة نقدية حول "التجربة الشعرية عند محمد الميموني" بمشاركة: نجيب العوفي (التجربة الشعرية للشاعر الكبير محمد الميموني)، يحيى عمارة (شاعر الأشياء والكلمات)، عبد اللطيف الوراري (في تطور التجربة الشعرية عند محمد الميموني)، محمد المسعودي (شعرية الدهشة وشغب السؤال في ديوان موشحات حزن متفائل)، عمر العسري (المداخل الشعرية في تجارب محمد الميموني)، وقد كشفت المداخلات على جوانب متعدة لتجربة محمد الميموني الشعرية والنقدية.
أسماء جميلة في الشعر تناوبت على منصة الإلقاء بفضاء القصبة الأثري: عبد الكريم الطبال(شفشاون)، بوزيد حرز الله(الجزائر)، محمد الميموني(شفشاون)، وفاء العمراني(القصر الكبير)، حسن الوزاني(الرباط)، خالد الريسوني(طنجة)، صباح الدبي(تازة)، يحيى عمارة (وجدة)، محمود عبد الغني (الدار البيضاء)، أمينة المريني(فاس)، فاطمة بنمحمود(تونس)، أحمد بنميمون(شفشاون)، ياسين عدنان(مراكش)، الزبير الخياط(وجدة)، محمد أحمد بنيس(طنجة)، جمال الموساوي(الرباط)، محمد المسعودي(طنجة)، محمد علي الرباوي(وجدة)، محمد عرش(الدار البيضاء)، ايمان الخطابي(تطوان)، عبد الحق بن رحمون(شفشاون)، جمال أزراغيد(الناظور)، مخلص الصغير(تطوان)، فاطمة الزهراء بنيس(تطوان)، محمد بنيعقوب(شفشاون)، عبد الله المتقي(الفقيه بنصالح)، عبد الجواد الخنيفي(شفشاون)، عبد السلام مصباح(شفشاون)، عمر العسري (الدار البيضاء)، محسن أخريف(العرائش)، علية الادريسي (تاونات)، منصف بندحمان(سلا).
وإن كان "المهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث" قد أسدل الستار عن نهايته فإن أمسية شعرية امتدت إلى ما بعد منتصف الليل بفضاء رأس الماء، رحلة ليلية بامتياز بين أزقة شفشاون الزرقاء الضيقة، لا شيء يعكر صمت الليل سوى خطواتنا الهادئة وهمساتنا الشعرية والإبداعية، وستظل الدورة السابعة والعشرون ذكرى شعرية وإبداعية في أعماق كل المبدعين الذين لبوا دعوة "أصدقاء المعتمد" يومي 14و15 يوليوز 2012.